الوصف
استنادا إلى التحوّلات العميقة في النسيج المجتمعي، واستجابة للحركة الفكرية والفلسفية المعاصرة في ميدان التشريع الجزائي، التجأت الحركة التشريعية الجزائية إلى إيجاد بدائل للعقوبات السّالبة للحرّية قصيرة المدّة… حيث تغيّت النّظرة للعقوبة كوسيلة لردع الجاني وإبعاده عن المجتمع إلى آلية لإحداث تغيير في سلوكه.. فلم يعد ينظر لهذا الجاني على أنّه شخص معاد للمجتمع يجب عزله عنه بل هو إنسان ضلّ الطريق ويجب على المجتمع أن يعيده إلى صفوفه بالإصلاح والتأهيل، وذلك باتباع سياسة جزائية تعتمد على ما يعرف ب: «الاعتدال الجزائي » وترشيد العقوبة وعقلانيتها وأنسنتها وإعطاء مكانة لشخصية الجاني لتفريده عقابيا وحمايته اجتماعيا وإعادة تأهيله في فضاءات مفتوحة لا تعزله عن محيطه الاجتماعي من خلال مجموعة من العقوبات البديلة المتنوعة. فكانت نهجا لأغلب الدّول في العالم، ومنها تونس وتحقّقت بفضلها نتائج إيجابية خاصّة في التقليص من عدد المساجين، وفي التخفيض من نسبة العود. غير أنّ نسب نجاح هذه العقوبات في تحقيق أهداف العقوبة في الرّدع والإصلاح والتأهيل كانت متفاوتة من دولة إلى أخرى، وتعود أسباب هذا التفاوت إلى طبيعة المجتمعات وأنظمتها السّياسية والثقّافية والأبعاد الدينية والاجتماعية، ومدى تفاعل الشعوب والمجتمعات مع مبادئ حقوق الإنسان وفلسفة النظام العقابي الحديث. ورغم ذلك فإنّنا نجد بعض المحاولات الجريئة من الدّول التي شهدت حراكا اجتماعيا في العقدين الماضيين على غرار البرتغال والشيلي وجنوب إفريقيا وتونس. حيث تمتعت شعوب هذه الدّول بنصيب من الحرية، الشيء الذي جعلها تعمل على تغيير دساتيرها لترسيخ مبادئ الحرية وحقوق الإنسان، وأقلمة تشريعاتها مع هذا التوجّه في السياسة الجزائية خاصّة. وإذ نثمن التجربة التونسية في هذا الميدان فإن عوائق وصعوبات كثيرة منها ما هو تشريعي وما هو لوجستي ما زالت تقف حائلا دون تحقيق أهداف هذه العقوبات البديلة.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.